الماكينة الإعلامية الغربية- أداة للسيطرة وتدمير الأمم.

إن الإعلام، سواء في العصور الغابرة أو في الزمن الحاضر، يعكس بجلاء التحولات العميقة في التكنولوجيا والثقافة، ويسلط الضوء على الأهمية البالغة لأدوات التواصل التي لا يمكن إنكار دورها الحيوي في تحسين نوعية الحياة البشرية، وكذلك في فرض السيطرة والهيمنة ونشر الأيديولوجيات المختلفة، وفي حروب الجيل الخامس التي يشنها الغرب بضراوة بهدف تدمير المجتمعات والدول بغية الاستحواذ على مقدراتها وثرواتها الطبيعية وتوطيد نفوذه ونشره في ربوع المجتمعات المختلفة.
وبناءً على ما تقدم، نخلص إلى أن الإعلام يمثل أداة قوية ذات تأثير بالغ يمكن استغلالها بفعالية للتأثير في الرأي العام وتشكيل التصورات والانطباعات والسياسات المتباينة. كما يُعتبر الإعلام وسيلة مؤثرة يمكن توظيفها للسيطرة على الخصوم وتدميرهم بأساليب ماكرة ومتنوعة.
ويستخدم الإعلام على نطاق واسع لإلحاق الدمار بالطرف المقابل بشتى الطرق والأساليب، مثل بث الدعاية المغرضة، ونشر المعلومات المضللة والتحريفات الخادعة، والتركيز بشكل مكثف على القضايا والموضوعات المثيرة للجدل والخلاف، وتوجيه الأجندة الإعلامية وفقًا للأهواء والمصالح الخاصة، واستخدام منصات ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لنشر الأكاذيب، وتشويه السمعة وتلطيخها، وشن الحروب النفسية المدمرة.
ويكشف الواقع المرير أن الغرب قد تفوق ببراعة في استخدام هذه الأساليب الخبيثة، ونجح بامتياز في تدمير خصمه اللدود الاتحاد السوفيتي السابق، كما نجح أيضًا في تدمير دول مثل العراق وسورية وليبيا وغيرها من البلدان. ومما لا شك فيه أن الانهزام الثقافي أمام الغرب، نتيجة لقوة ماكينتهم الإعلامية الجبارة، ستتبعه حتمًا هزيمة حضارية وعسكرية واقتصادية شاملة.
إن الأسباب التي ساقها المؤرخ الشهير ابن خلدون قبل 200 عام من سقوط الأندلس لتفسير هذا الانهيار المدوي، لا تزال للأسف الشديد تنطبق على واقعنا المعاصر، وهي الترف والانغماس في الملذات والانحلال الأخلاقي، وتفكك الروابط الاجتماعية وضعف التماسك المجتمعي، وأن الغلبة في نهاية المطاف تكون للبسالة والقوة، فإذا فُقدت هذه الصفات النبيلة، تعرضت الأمة للهزيمة والاندثار. والغرب يستغل بذكاء كل نقاط الضعف الكامنة لدى الأمة من خلال ماكينته الإعلامية المتطورة.
نجد أن وسائل الإعلام الغربية تسعى جاهدة لتصوير ما تقوم به إسرائيل من ممارسات وحشية على أنه سلسلة من النجاحات الميدانية الباهرة التي فتحت آفاقًا جديدة لتقويض الخطر الإيراني الإقليمي المزعوم، وأنه يجب على واشنطن أن تغتنم هذه الفرصة السانحة لدعم الحكومات المستقرة والشفافة في المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي، وأن هذه تمثل فرصة ذهبية لتحقيق تغيير إقليمي شامل، كما ورد في مقال بعنوان «المسار الشائك نحو شرق أوسط جديد» في مجلة فورين أفيرز للكاتبة دانا سترول، نائبة وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في الفترة من 2021 إلى 2023، والتي تشغل حاليًا منصب مديرة الأبحاث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
الإعلام الغربي ليس محايدًا على الإطلاق، بل يسعى حثيثًا لفرض الرواية التي يصبو إلى بثها ونشرها على نطاق واسع من خلال ترويج المعلومات المغلوطة والأكاذيب الملفقة والدعاية المضللة. فإسرائيل لم تحقق في الواقع أي إنجازات حقيقية، وكل ما فعلته يتلخص في الكشف عن وجهها الحقيقي القبيح كقوة استعمارية غاشمة لا تقيم وزنًا لأدنى وأبسط الحقوق الإنسانية المشروعة. وتحاول الرواية الغربية جاهدة إخفاء الحقيقة الساطعة المتمثلة في أن الميليشيات والطائفية التي تدعي أنها تحاربها ما هي في الواقع إلا من صنع أيديها.
إن استقرار المنطقة لن يتحقق أبدًا إلا من خلال تطبيق حل الدولتين وإعادة الحقوق المسلوبة لأصحابها الشرعيين. فالحروب والنزاعات في المنطقة والاعتداء السافر على إيران لن يحققا السلام والأمن المنشودين.
ولذلك، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة باستضافة سلطنة عُمان للمحادثات الجارية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية بشأن الاتفاق النووي، مؤكدةً دعم المملكة الكامل لاتباع نهج الحوار البناء سبيلاً وحيدًا لإنهاء جميع الخلافات الإقليمية والدولية العالقة، ومعبّرةً عن تطلعها الصادق إلى أن تفضي نتائج المحادثات الإيرانية الأمريكية إلى دعم العمل المشترك لتعزيز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم أجمع.
هذه الطرق والأساليب الخبيثة التي يستخدمها الإعلام الغربي ما هي إلا جزء لا يتجزأ من إستراتيجيات أوسع نطاقًا تستخدمها الدول أو الجهات الفاعلة المختلفة في الساحة الدولية لتحقيق أهدافها السياسية أو الاقتصادية المحددة. ومن الأهمية بمكان دائمًا فحص المعلومات المتداولة بعناية فائقة والبحث الدؤوب عن وجهات النظر المختلفة والمتنوعة للتأكد التام من صحة الأخبار والمعلومات المتوفرة وتجنب الوقوع في فخ الأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة أو المستغلة لأهداف أخرى خفية.